انتهيت من مقابلة آخر شخص، وأفكار ترامب تتغير مرة أخرى.
بينما كانت وول ستريت على وشك الاعتقاد بأن الرئيس الجديد للبنك الاحتياطي الفيدرالي هو كيفن هاسيت (Kevin Hassett) «حقيبة يدهم»، الأسبوع الماضي، اللقاء الأخير في البيت الأبيض بين ترامب والمستشار السابق للبنك الاحتياطي الفيدرالي كيفن وورش (Kevin Warsh) أعاد هذا الرهان إلى نقطة البداية، وترك الأمر في غموض كبير.
على عكس اللقاءات السابقة التي كانت مجرد بروتوكول، بعد هذا اللقاء، حدثت تغييرات دقيقة وواضحة في موقف ترامب من وورش، حيث أظهر تقديراً أكبر له، بل وأعرب في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال عن قوله: «أعتقد أن كلا من هاسيت وورورش رائعان»، وورورش أصبح يساوي هاسيت في قائمة المرشحين لرئاسة البنك الاحتياطي الفيدرالي.
تحول الصراع بين هاسيت وورورش من «منافسة كيفن واحد» إلى «ثنائية كيفن»، لا يعني فقط تغييراً في الشخصيات من «الحمائم المخلصة» إلى «مصلحي البنك الاحتياطي»، بل هو في جوهره صراع على منطق سيولة الدولار خلال الأربع سنوات القادمة (اقرأ المزيد في «نظرة مستقبلية على رئيس البنك الاحتياطي الجديد: هاسيت، حيازة Coinbase، وولاء ترامب للحمائم»).
يمكن القول إن عبارة ترامب «كلاهما رائع» تحمل في السوق معانٍ كبيرة من عدم اليقين.
أولاً، من «مسرحية هاسيت» إلى «ثنائية كيفن» مع وورش
أسواق رأس المال دائمًا أكثر صدقًا، ففي سوق التوقعات Polymarket، أظهرت الأموال ذات الحساسية العالية أنها أعادت تقييم «مسرحية التوريث» بشكل سريع.
حتى تاريخ 16 ديسمبر، في صندوق التمويل الخاص بـ «من سيكون رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي القادم؟» (Who will Trump nominate as Fed Chair؟)، تجاوزت احتمالية فوز وورش 45%، متفوقة على هاسيت (42%)، وأصبحت المرشح الأبرز.
يُذكر أن قبل أسبوعين فقط، في بداية ديسمبر، كان هاسيت يتفوق بأكثر من 80%، بينما كانت احتمالية وورش في خانة الأرقام الأحادية، (تحديث: حتى 17 ديسمبر، عاد هاسيت ليتفوق على وورش بنسبة 53% مقابل 27%، وأصبح مرة أخرى الأوفر حظًا).
فما الذي حدث بالضبط ليغير المشهد بشكل مفاجئ؟ بعد مراجعة المعلومات المتاحة، يبدو أن صعود وورش المفاجئ وفقدان هاسيت لمكانته، يعود بشكل كبير إلى التفاصيل الصغيرة التي تتعلق بدخوله وخروجه من المشهد.
أولاً، سبب تمكن وورش من التقدم هو امتلاكه شبكة علاقات قوية مباشرة مع صلب دائرة ترامب.
بالمقارنة مع هاسيت الذي كان مستشارًا، فإن علاقة وورش الشخصية مع ترامب أقرب، ويعود ذلك إلى والد زوجته — الملياردير ووريث Estée Lauder، رونالد لودير (Ronald Lauder)، الذي ليس فقط ممول ترامب، بل هو أيضًا زميل دراسة وصديق قديم لترامب.
وبفضل هذه العلاقة، لم يقتصر دور وورش على تقديم النصائح لفريق الانتقال، بل أصبح يُنظر إليه كـ «واحد من فريق ترامب». وفي الوقت نفسه، هو أيضًا صديق قديم لوزير الخزانة الحالي، ستيفن منوشين، الذي كان يُنظر إليه سابقًا كمرشح محتمل ليكون رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي القادم.
بالإضافة إلى العلاقات الشخصية، حظي وورش بدعم من «الدوائر المهنية». وفقًا لمصادر من FT، عبّر جيه. بي. مورغان تشيس Jamie Dimon، الرئيس التنفيذي لبنك JPMorgan، خلال قمة خاصة حديثة عن دعمه لوورش، وأكد أن هاسيت قد يوافق على سياسات متطرفة لخفض الفائدة لإرضاء ترامب، مما قد يؤدي إلى رد فعل عكسي من التضخم.
وهذا يعكس إلى حد ما توجهات نخبة وول ستريت، ودعمها الجماعي لوورش، مما زاد من فرصه. وفي اللقاء الأخير بين ترامب وورورش، تم تأكيد هذا الثقة — حيث أشار ترامب إلى أن وورش هو الخيار الأول لديه، وأكد أن سياساته النقدية تتوافق بشكل كبير مع سياساته، بل وأعرب عن نية استشارته في تحديد معدلات الفائدة، دون أن يلزمه بالامتثال الكامل.
وفي المقابل، يبدو أن هاسيت، الذي كان يُنظر إليه سابقًا كمرشح ثابت، ارتكب خطأ تكتيكيًا: حاول قبل أن يُرشح رسميًا أن يظهر استقلاليته للسوق بشكل مبكر.
وفي عدة تصريحات علنية الأسبوع الماضي، حاول هاسيت أن يبتعد عن ترامب، خاصة عندما سُئل عن مدى تأثير رأي ترامب على قرارات البنك الاحتياطي، فأجاب: «لا، رأيه لن يكون له وزن… فقط عندما يكون رأيه معقولًا ومدعومًا بالبيانات، يمكن أن يُؤخذ بعين الاعتبار»، وأضاف: «إذا ارتفع معدل التضخم من 2.5% إلى 4%، فلن يمكن خفض الفائدة حينها».
من الناحية النظرية، قد يهدئ هذا التصريح من قلق المتداولين في سوق السندات، لكنه قد يثير غضب ترامب الذي يطمح بشدة للسيطرة، والأمر المثير هو أنه بعد هذه التصريحات، بدأ الحديث عن لقاء ترامب وورورش يظهر في وسائل الإعلام.
في النهاية، ما يحتاجه ترامب الآن هو «شريك مطيع»، وليس «واعظًا» مثل باول، ومن أجل السيطرة على السياسات النقدية المستقبلية، مهما كانت نية هاسيت، فإن هذا التصريح الذي يحاول أن يبتعد عن العلاقة، يُحتمل أن يُسجل في ذهن ترامب كـ «نقطة سلبية» كبيرة.
ثانيًا، وورش: من «الداخلين على بعد خطوة من عرش الاحتياطي الفيدرالي»
في الواقع، وورش ليس شخصًا جاء من العدم، ففي فترة ترامب الأولى، كان هو «الذي كاد أن يحصل على كل شيء، لكنه في النهاية مر من جانب الآخر».
والآن، قليلون يذكرون أن «باول»، الذي يهاجمه ترامب يوميًا، هو في الحقيقة من تعيين ترامب شخصيًا كرئيس للبنك الاحتياطي الفيدرالي في 2017.
والأكثر من ذلك، أن تلك المواجهة النهائية كانت بين باول وورورش، حين كان وورش يحمل لقب أصغر عضو في مجلس الاحتياطي (في عمر 35 سنة)، وكان مساعدًا قويًا لبرنانكي خلال الأزمة المالية 2008، لكنه خسر في النهاية أمام باول، الذي كان يُقنع وزير الخزانة آنذاك، ستيفن منوشين، بدعم تعيينه.
المثير للاهتمام أن، بعد أربع سنوات، يبدو أن ترامب يُصحح «خطأه» السابق — حيث أوردت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلاً عن مصادر، أن ترامب بعد فوزه مرة أخرى، فكر في تعيين وورش وزيرًا للخزانة.
يمكن القول إن وورش لم يبتعد عن أنظار ترامب أبدًا، وهو «مُحافظ على خطه».
ويعود ذلك إلى سيرته الذاتية المثالية التي تشمل: «بكالوريوس من ستانفورد، دكتوراه في القانون من هارفارد، مدير سابق في مورغان ستانلي، ومستشار اقتصادي رئيسي في إدارة بوش الابن»، وهي سيرة ذات طابع متكامل:
خلال دراسته الجامعية، تخصص في الاقتصاد والإحصاء في جامعة ستانفورد، ثم التحق بكلية هارفارد للقانون لدراسة القانون والسياسات الاقتصادية والتنظيمية، ودرس أيضًا في كلية إدارة الأعمال بMIT Sloan، مما يجعله متخصصًا متعدد التخصصات يجمع بين القانون والمالية والتنظيم.
بعد تخرجه، عمل لسنوات في قسم الاندماج والاستحواذ في مورغان ستانلي، كمستشار مالي لعدة شركات، حتى استقال في 2002 من منصبه كنائب رئيس ومدير تنفيذي في الشركة.
بعد انضمامه إلى إدارة بوش، شغل مناصب مستشار خاص للسياسات الاقتصادية للرئيس، وكاتب تنفيذي للجنة الاقتصادية الوطنية، وقدم نصائح حول الأسواق المالية والبنوك والتأمين للرئيس والمسؤولين الكبار.
وبالإضافة إلى ذلك، مع خلفيته العائلية المليارية، من غير المبالغة القول إن «أكثر من عشرين عامًا، من مورغان ستانلي إلى إدارة بوش الاقتصادية، ثم إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ظل وورش نشطًا في أوساط كبار الماليين عالميًا».
لذا، فهو يعرف قواعد لعبة وول ستريت، ويُعد عضوًا في دائرة ترامب المقربة، وهذه الثنائية من الصفات، هي التي مكنته من قلب موازين هاسيت في اللحظة الحاسمة.
ثالثًا، «كيفن» اثنان، وسيناريوهان مختلفان
على الرغم من أن هاسيت وورورش كلاهما يُدعى كيفن، إلا أن السيناريوهات التي يقدمانها للسوق مختلفة تمامًا.
إذا تولى وورش المنصب، فمن المرجح ألا نرى احتفالات «خفض الفائدة بشكل كبير» على طريقة هاسيت، بل عملية جراحية دقيقة تستهدف سياسة وتشكيل مهمة البنك الاحتياطي الفيدرالي.
ذلك لأن وورش، على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية، كان من أبرز المعارضين لـ «سياسة التسهيل الكمي» (QE)، وهاجم مرارًا وتكرارًا سوء استخدام البنك لميزانيته العمومية، وقدم استقالته في 2010 بعد معارضته الشديدة لبرنامج التسهيل الكمي الثاني (QE2).
منطقه واضح وقوي، وهو: «إذا أوقفنا طباعة النقود بشكل أكثر هدوءًا، يمكن أن تكون معدلات الفائدة لدينا أدنى»، ويعني ذلك أن وورش يسعى إلى تقليل عرض النقود (QT) للحد من توقعات التضخم، وفتح المجال لخفض المعدلات الاسمية، وهو نوع من «استخدام المساحة الزمنية» في عملية معقدة تهدف إلى إنهاء عصر «السيطرة النقدية» الذي استمر 15 عامًا.
وفيما يخص خفض الفائدة، كتب وورش هذا العام مقالات ينتقد فيها ارتفاع التضخم، وأكد أنه حتى مع تنفيذ ترامب لسياسات الرسوم الجمركية، فإنه سيدعم خفض الفائدة مرة أخرى، ووفقًا لتوقعات دويتشه بنك، فإذا تولى وورش المنصب، قد يطلق البنك الاحتياطي الفيدرالي مجموعة أدوات فريدة، تتضمن خفض الفائدة بالتوازي مع تقليل الأصول (QT).
وبالإضافة إلى ذلك، على عكس باول الذي يحاول تعديل الاقتصاد بشكل دقيق، يعتقد وورش أن «البنك المركزي يجب أن يكون أقل تدخلًا»، ويؤمن أن «التوجيه المستقبلي في الأوقات العادية يكاد يكون بلا فاعلية»، ويدين «انتشار المهام» في البنك، خاصة في قضايا المناخ والشمولية، ويدعو إلى أن يكون للبنك المركزي ووزارة المالية أدوارهما المحددة، بحيث يتولى البنك إدارة معدلات الفائدة، وتقوم وزارة المالية بإدارة الحسابات المالية.
وبالطبع، على الرغم من انتقاداته الحادة، إلا أن وورش يظل «مصلحيًا» وليس «ثوريًا»، ويؤمن أن مستقبل البنك الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يكون «إعادة إحياء» (Restoration)، أي الحفاظ على هيكله الأساسي، مع تصحيح السياسات الخاطئة التي اتُبعت خلال العشر سنوات الماضية، وإذا تولى القيادة، فإن البنك سيعود إلى مهمته الأساسية، وهي الدفاع عن قيمة العملة واستقرار الأسعار، بدلاً من أن يتحمل السياسات النقدية مسؤولية المهام التي يجب أن تتولاها السياسات المالية.
بإجمال، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي بقيادة وورش قد يقلص من نطاق صلاحياته، ويعمل تدريجيًا على إعادة توازن ميزانيته.
لكن، بالنسبة للعملات الرقمية وأسهم التكنولوجيا في سوق الأسهم الأمريكية، فإن وصول وورش إلى السلطة يمثل تحديًا كبيرًا على المدى القصير، إذ يرى أن السيولة غير المحدودة ليست سمًا فحسب، بل هدف يجب «تدميره».
لكن على المدى الطويل، قد يكون وورش هو «الحليف الحقيقي» — ويعود ذلك إلى إعجابه الشديد بالسوق الحرة وتقليل التنظيم، وتوقعه أن الاقتصاد الأمريكي سيشهد انفجارًا في الإنتاجية مشابهًا لثمانينيات القرن الماضي، وهو أيضًا من القلة الذين استثمروا بشكل جدي في العملات الرقمية (مثل مشروع Basis السابق، وشركة إدارة صناديق المؤشرات الرقمية Bitwise)، مما يجعله «خبيرًا» في المجال.
وهذا بلا شك يضع أساسًا لنمو صحي للأصول المالية بعد «إزالة الفقاعات».
وبالطبع، فإن وورش وترامب ليسا على نفس الموجة تمامًا، وأكبر مخاوفه تتعلق بسياسات التجارة. فهو من أنصار التجارة الحرة، وسبق أن انتقد علنًا خطة ترامب الجمركية التي قد تؤدي إلى «عزلة اقتصادية»، وعلى الرغم من أنه صرح مؤخرًا بأنه «حتى مع فرض رسوم جمركية، سأدعم خفض الفائدة»، إلا أن هذه المشكلة لا تزال قائمة.
كيفية التوازن بين «حفاظ على سمعة الدولار» و«تلبية مطالب ترامب بشأن الرسوم الجمركية وخفض الفائدة»، سيكون أكبر اختبار يواجهه في المستقبل.
ختامًا: المخرج الوحيد هو شخص واحد
باختصار، جوهر «ثنائية كيفن» هو اختيار مسار السوق.
اختيار هاسيت يعني حفلة سيولة، حيث أن البنك الاحتياطي الفيدرالي، بقيادة البيت الأبيض، قد يتحول مباشرة إلى مشجع كبير للسوق، مع احتمال أن يقفز مؤشر ناسداك وBTC إلى القمر على المدى القصير، لكن الثمن هو فقدان السيطرة على التضخم وتدهور الثقة بالدولار على المدى الطويل.
أما اختيار وورش، فسيؤدي على الأرجح إلى إصلاح جراحي، حيث قد يشعر السوق بألم مؤقت بسبب تقلص السيولة (Withdrawal symptoms)، لكن مع دعم «الحد من التنظيم» و«السياسة النقدية المستقرة»، ستشعر رؤوس الأموال طويلة الأمد والمصارف في وول ستريت براحة أكبر.
لكن، بغض النظر عن الفائز النهائي، هناك حقيقة واحدة لا تتغير: في 2020، كان ترامب لا يزال يسب باول على تويتر، وفي 2025، ومع عودته منتصرًا بشكل ساحق، لن يكتفي بعد الآن بأن يكون مجرد متفرج.
الممثل على المسرح، سواء هاسيت أو وورش، ربما يحدد مسار القصة، لكن المخرج الحقيقي لهذه المسرحية هو ترامب، الذي أصبح هو المهيمن على المشهد.
قد تحتوي هذه الصفحة على محتوى من جهات خارجية، يتم تقديمه لأغراض إعلامية فقط (وليس كإقرارات/ضمانات)، ولا ينبغي اعتباره موافقة على آرائه من قبل Gate، ولا بمثابة نصيحة مالية أو مهنية. انظر إلى إخلاء المسؤولية للحصول على التفاصيل.
وريث الاحتياطي الفيدرالي يتراجع: من "الحمائم المخلصة" إلى "الإصلاحيين"، هل تغير سيناريو السوق؟
المؤلف: فرانك، معهد MSX
انتهيت من مقابلة آخر شخص، وأفكار ترامب تتغير مرة أخرى.
بينما كانت وول ستريت على وشك الاعتقاد بأن الرئيس الجديد للبنك الاحتياطي الفيدرالي هو كيفن هاسيت (Kevin Hassett) «حقيبة يدهم»، الأسبوع الماضي، اللقاء الأخير في البيت الأبيض بين ترامب والمستشار السابق للبنك الاحتياطي الفيدرالي كيفن وورش (Kevin Warsh) أعاد هذا الرهان إلى نقطة البداية، وترك الأمر في غموض كبير.
على عكس اللقاءات السابقة التي كانت مجرد بروتوكول، بعد هذا اللقاء، حدثت تغييرات دقيقة وواضحة في موقف ترامب من وورش، حيث أظهر تقديراً أكبر له، بل وأعرب في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال عن قوله: «أعتقد أن كلا من هاسيت وورورش رائعان»، وورورش أصبح يساوي هاسيت في قائمة المرشحين لرئاسة البنك الاحتياطي الفيدرالي.
تحول الصراع بين هاسيت وورورش من «منافسة كيفن واحد» إلى «ثنائية كيفن»، لا يعني فقط تغييراً في الشخصيات من «الحمائم المخلصة» إلى «مصلحي البنك الاحتياطي»، بل هو في جوهره صراع على منطق سيولة الدولار خلال الأربع سنوات القادمة (اقرأ المزيد في «نظرة مستقبلية على رئيس البنك الاحتياطي الجديد: هاسيت، حيازة Coinbase، وولاء ترامب للحمائم»).
يمكن القول إن عبارة ترامب «كلاهما رائع» تحمل في السوق معانٍ كبيرة من عدم اليقين.
أولاً، من «مسرحية هاسيت» إلى «ثنائية كيفن» مع وورش
أسواق رأس المال دائمًا أكثر صدقًا، ففي سوق التوقعات Polymarket، أظهرت الأموال ذات الحساسية العالية أنها أعادت تقييم «مسرحية التوريث» بشكل سريع.
حتى تاريخ 16 ديسمبر، في صندوق التمويل الخاص بـ «من سيكون رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي القادم؟» (Who will Trump nominate as Fed Chair؟)، تجاوزت احتمالية فوز وورش 45%، متفوقة على هاسيت (42%)، وأصبحت المرشح الأبرز.
يُذكر أن قبل أسبوعين فقط، في بداية ديسمبر، كان هاسيت يتفوق بأكثر من 80%، بينما كانت احتمالية وورش في خانة الأرقام الأحادية، (تحديث: حتى 17 ديسمبر، عاد هاسيت ليتفوق على وورش بنسبة 53% مقابل 27%، وأصبح مرة أخرى الأوفر حظًا).
فما الذي حدث بالضبط ليغير المشهد بشكل مفاجئ؟ بعد مراجعة المعلومات المتاحة، يبدو أن صعود وورش المفاجئ وفقدان هاسيت لمكانته، يعود بشكل كبير إلى التفاصيل الصغيرة التي تتعلق بدخوله وخروجه من المشهد.
أولاً، سبب تمكن وورش من التقدم هو امتلاكه شبكة علاقات قوية مباشرة مع صلب دائرة ترامب.
بالمقارنة مع هاسيت الذي كان مستشارًا، فإن علاقة وورش الشخصية مع ترامب أقرب، ويعود ذلك إلى والد زوجته — الملياردير ووريث Estée Lauder، رونالد لودير (Ronald Lauder)، الذي ليس فقط ممول ترامب، بل هو أيضًا زميل دراسة وصديق قديم لترامب.
وبفضل هذه العلاقة، لم يقتصر دور وورش على تقديم النصائح لفريق الانتقال، بل أصبح يُنظر إليه كـ «واحد من فريق ترامب». وفي الوقت نفسه، هو أيضًا صديق قديم لوزير الخزانة الحالي، ستيفن منوشين، الذي كان يُنظر إليه سابقًا كمرشح محتمل ليكون رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي القادم.
بالإضافة إلى العلاقات الشخصية، حظي وورش بدعم من «الدوائر المهنية». وفقًا لمصادر من FT، عبّر جيه. بي. مورغان تشيس Jamie Dimon، الرئيس التنفيذي لبنك JPMorgan، خلال قمة خاصة حديثة عن دعمه لوورش، وأكد أن هاسيت قد يوافق على سياسات متطرفة لخفض الفائدة لإرضاء ترامب، مما قد يؤدي إلى رد فعل عكسي من التضخم.
وهذا يعكس إلى حد ما توجهات نخبة وول ستريت، ودعمها الجماعي لوورش، مما زاد من فرصه. وفي اللقاء الأخير بين ترامب وورورش، تم تأكيد هذا الثقة — حيث أشار ترامب إلى أن وورش هو الخيار الأول لديه، وأكد أن سياساته النقدية تتوافق بشكل كبير مع سياساته، بل وأعرب عن نية استشارته في تحديد معدلات الفائدة، دون أن يلزمه بالامتثال الكامل.
وفي المقابل، يبدو أن هاسيت، الذي كان يُنظر إليه سابقًا كمرشح ثابت، ارتكب خطأ تكتيكيًا: حاول قبل أن يُرشح رسميًا أن يظهر استقلاليته للسوق بشكل مبكر.
وفي عدة تصريحات علنية الأسبوع الماضي، حاول هاسيت أن يبتعد عن ترامب، خاصة عندما سُئل عن مدى تأثير رأي ترامب على قرارات البنك الاحتياطي، فأجاب: «لا، رأيه لن يكون له وزن… فقط عندما يكون رأيه معقولًا ومدعومًا بالبيانات، يمكن أن يُؤخذ بعين الاعتبار»، وأضاف: «إذا ارتفع معدل التضخم من 2.5% إلى 4%، فلن يمكن خفض الفائدة حينها».
من الناحية النظرية، قد يهدئ هذا التصريح من قلق المتداولين في سوق السندات، لكنه قد يثير غضب ترامب الذي يطمح بشدة للسيطرة، والأمر المثير هو أنه بعد هذه التصريحات، بدأ الحديث عن لقاء ترامب وورورش يظهر في وسائل الإعلام.
في النهاية، ما يحتاجه ترامب الآن هو «شريك مطيع»، وليس «واعظًا» مثل باول، ومن أجل السيطرة على السياسات النقدية المستقبلية، مهما كانت نية هاسيت، فإن هذا التصريح الذي يحاول أن يبتعد عن العلاقة، يُحتمل أن يُسجل في ذهن ترامب كـ «نقطة سلبية» كبيرة.
ثانيًا، وورش: من «الداخلين على بعد خطوة من عرش الاحتياطي الفيدرالي»
في الواقع، وورش ليس شخصًا جاء من العدم، ففي فترة ترامب الأولى، كان هو «الذي كاد أن يحصل على كل شيء، لكنه في النهاية مر من جانب الآخر».
والآن، قليلون يذكرون أن «باول»، الذي يهاجمه ترامب يوميًا، هو في الحقيقة من تعيين ترامب شخصيًا كرئيس للبنك الاحتياطي الفيدرالي في 2017.
والأكثر من ذلك، أن تلك المواجهة النهائية كانت بين باول وورورش، حين كان وورش يحمل لقب أصغر عضو في مجلس الاحتياطي (في عمر 35 سنة)، وكان مساعدًا قويًا لبرنانكي خلال الأزمة المالية 2008، لكنه خسر في النهاية أمام باول، الذي كان يُقنع وزير الخزانة آنذاك، ستيفن منوشين، بدعم تعيينه.
المثير للاهتمام أن، بعد أربع سنوات، يبدو أن ترامب يُصحح «خطأه» السابق — حيث أوردت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلاً عن مصادر، أن ترامب بعد فوزه مرة أخرى، فكر في تعيين وورش وزيرًا للخزانة.
يمكن القول إن وورش لم يبتعد عن أنظار ترامب أبدًا، وهو «مُحافظ على خطه».
ويعود ذلك إلى سيرته الذاتية المثالية التي تشمل: «بكالوريوس من ستانفورد، دكتوراه في القانون من هارفارد، مدير سابق في مورغان ستانلي، ومستشار اقتصادي رئيسي في إدارة بوش الابن»، وهي سيرة ذات طابع متكامل:
وبالإضافة إلى ذلك، مع خلفيته العائلية المليارية، من غير المبالغة القول إن «أكثر من عشرين عامًا، من مورغان ستانلي إلى إدارة بوش الاقتصادية، ثم إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ظل وورش نشطًا في أوساط كبار الماليين عالميًا».
لذا، فهو يعرف قواعد لعبة وول ستريت، ويُعد عضوًا في دائرة ترامب المقربة، وهذه الثنائية من الصفات، هي التي مكنته من قلب موازين هاسيت في اللحظة الحاسمة.
ثالثًا، «كيفن» اثنان، وسيناريوهان مختلفان
على الرغم من أن هاسيت وورورش كلاهما يُدعى كيفن، إلا أن السيناريوهات التي يقدمانها للسوق مختلفة تمامًا.
إذا تولى وورش المنصب، فمن المرجح ألا نرى احتفالات «خفض الفائدة بشكل كبير» على طريقة هاسيت، بل عملية جراحية دقيقة تستهدف سياسة وتشكيل مهمة البنك الاحتياطي الفيدرالي.
ذلك لأن وورش، على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية، كان من أبرز المعارضين لـ «سياسة التسهيل الكمي» (QE)، وهاجم مرارًا وتكرارًا سوء استخدام البنك لميزانيته العمومية، وقدم استقالته في 2010 بعد معارضته الشديدة لبرنامج التسهيل الكمي الثاني (QE2).
منطقه واضح وقوي، وهو: «إذا أوقفنا طباعة النقود بشكل أكثر هدوءًا، يمكن أن تكون معدلات الفائدة لدينا أدنى»، ويعني ذلك أن وورش يسعى إلى تقليل عرض النقود (QT) للحد من توقعات التضخم، وفتح المجال لخفض المعدلات الاسمية، وهو نوع من «استخدام المساحة الزمنية» في عملية معقدة تهدف إلى إنهاء عصر «السيطرة النقدية» الذي استمر 15 عامًا.
وفيما يخص خفض الفائدة، كتب وورش هذا العام مقالات ينتقد فيها ارتفاع التضخم، وأكد أنه حتى مع تنفيذ ترامب لسياسات الرسوم الجمركية، فإنه سيدعم خفض الفائدة مرة أخرى، ووفقًا لتوقعات دويتشه بنك، فإذا تولى وورش المنصب، قد يطلق البنك الاحتياطي الفيدرالي مجموعة أدوات فريدة، تتضمن خفض الفائدة بالتوازي مع تقليل الأصول (QT).
وبالإضافة إلى ذلك، على عكس باول الذي يحاول تعديل الاقتصاد بشكل دقيق، يعتقد وورش أن «البنك المركزي يجب أن يكون أقل تدخلًا»، ويؤمن أن «التوجيه المستقبلي في الأوقات العادية يكاد يكون بلا فاعلية»، ويدين «انتشار المهام» في البنك، خاصة في قضايا المناخ والشمولية، ويدعو إلى أن يكون للبنك المركزي ووزارة المالية أدوارهما المحددة، بحيث يتولى البنك إدارة معدلات الفائدة، وتقوم وزارة المالية بإدارة الحسابات المالية.
وبالطبع، على الرغم من انتقاداته الحادة، إلا أن وورش يظل «مصلحيًا» وليس «ثوريًا»، ويؤمن أن مستقبل البنك الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يكون «إعادة إحياء» (Restoration)، أي الحفاظ على هيكله الأساسي، مع تصحيح السياسات الخاطئة التي اتُبعت خلال العشر سنوات الماضية، وإذا تولى القيادة، فإن البنك سيعود إلى مهمته الأساسية، وهي الدفاع عن قيمة العملة واستقرار الأسعار، بدلاً من أن يتحمل السياسات النقدية مسؤولية المهام التي يجب أن تتولاها السياسات المالية.
بإجمال، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي بقيادة وورش قد يقلص من نطاق صلاحياته، ويعمل تدريجيًا على إعادة توازن ميزانيته.
لكن، بالنسبة للعملات الرقمية وأسهم التكنولوجيا في سوق الأسهم الأمريكية، فإن وصول وورش إلى السلطة يمثل تحديًا كبيرًا على المدى القصير، إذ يرى أن السيولة غير المحدودة ليست سمًا فحسب، بل هدف يجب «تدميره».
لكن على المدى الطويل، قد يكون وورش هو «الحليف الحقيقي» — ويعود ذلك إلى إعجابه الشديد بالسوق الحرة وتقليل التنظيم، وتوقعه أن الاقتصاد الأمريكي سيشهد انفجارًا في الإنتاجية مشابهًا لثمانينيات القرن الماضي، وهو أيضًا من القلة الذين استثمروا بشكل جدي في العملات الرقمية (مثل مشروع Basis السابق، وشركة إدارة صناديق المؤشرات الرقمية Bitwise)، مما يجعله «خبيرًا» في المجال.
وهذا بلا شك يضع أساسًا لنمو صحي للأصول المالية بعد «إزالة الفقاعات».
وبالطبع، فإن وورش وترامب ليسا على نفس الموجة تمامًا، وأكبر مخاوفه تتعلق بسياسات التجارة. فهو من أنصار التجارة الحرة، وسبق أن انتقد علنًا خطة ترامب الجمركية التي قد تؤدي إلى «عزلة اقتصادية»، وعلى الرغم من أنه صرح مؤخرًا بأنه «حتى مع فرض رسوم جمركية، سأدعم خفض الفائدة»، إلا أن هذه المشكلة لا تزال قائمة.
كيفية التوازن بين «حفاظ على سمعة الدولار» و«تلبية مطالب ترامب بشأن الرسوم الجمركية وخفض الفائدة»، سيكون أكبر اختبار يواجهه في المستقبل.
ختامًا: المخرج الوحيد هو شخص واحد
باختصار، جوهر «ثنائية كيفن» هو اختيار مسار السوق.
اختيار هاسيت يعني حفلة سيولة، حيث أن البنك الاحتياطي الفيدرالي، بقيادة البيت الأبيض، قد يتحول مباشرة إلى مشجع كبير للسوق، مع احتمال أن يقفز مؤشر ناسداك وBTC إلى القمر على المدى القصير، لكن الثمن هو فقدان السيطرة على التضخم وتدهور الثقة بالدولار على المدى الطويل.
أما اختيار وورش، فسيؤدي على الأرجح إلى إصلاح جراحي، حيث قد يشعر السوق بألم مؤقت بسبب تقلص السيولة (Withdrawal symptoms)، لكن مع دعم «الحد من التنظيم» و«السياسة النقدية المستقرة»، ستشعر رؤوس الأموال طويلة الأمد والمصارف في وول ستريت براحة أكبر.
لكن، بغض النظر عن الفائز النهائي، هناك حقيقة واحدة لا تتغير: في 2020، كان ترامب لا يزال يسب باول على تويتر، وفي 2025، ومع عودته منتصرًا بشكل ساحق، لن يكتفي بعد الآن بأن يكون مجرد متفرج.
الممثل على المسرح، سواء هاسيت أو وورش، ربما يحدد مسار القصة، لكن المخرج الحقيقي لهذه المسرحية هو ترامب، الذي أصبح هو المهيمن على المشهد.